مع قرب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني تعيش حركة فتح حالة من عدم الاستقرار على مستوى قياداتها ووحدتها الداخلية.
يعمل عباس طيلة السنوات الماضية، على تكريس استبداده هربا من المسائلة التي قد يخضع لها في المستقبل، وتثبيت سلطته لحماية مصالحه.
فمنذ قدومه الى السلطة، خلفا للرئيس الراحل ياسر عرفات، عمل على تثبيت نفسه بقوة في السلطة، بتجاوز كافة صلاحياته المخولة له كرئيس للسلطة.
تحتم عليه العبث بعمل المؤسسات في السلطة الفلسطينية، كالنظام القضائي، واعادة هيكلة وبناء العقيدة الامنية لقوى الامن الفلسطينية، وعطل عمل المجلس التشريعي. وصنع من نفسه رجلا وحيدا، يدير السلطة وفقا لاعتبارات ومصالح شخصية، وتتماشى مع اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية، اللتين سمحتا له بالبقاء، لطالما ان مصالحهما تسير دون عوائق تذكر.
الانتخابات التي روج لها عباس خلال السنوات القليلة الماضية، فد حرّكت رمال الخلاف بين قيادات داخل الحركة، وكشفت عن حجم التيار الإصلاحي الذي نتج للسياسة الرافضة لنهج محمود عباس والسياسة التي يدير بها شؤون فتح.
يرى مراقبون أن حركة فتح تمرُّ هذه الأيام بفترة عصيبة، أقرب ما تكون لمخاض عسير، تقف فيها وحدة الحركة على المحك.
صراع الهيمنة داخل معسكرات فتح
تكشف حملات الإقالات والإقصاء التي يستخدمهما محمود عباس من فترة لأخرى، عن صراع صريح داخل فتح للهيمنة عليها وعلى قرارها.
إذ يرفض عباس تغيير النهج والوجوه، ويلجأ عادة إلى إقصاء خصومه ومعارضيه، ليمنع الرأي الآخر الرافض لنهجه داخل فتح، ويبقي على الرأي الواحد، الذي يتوافق مع نهجه، ويحفظ مصالحه ويوطد سيطرته للسلطة الفلسطينية، وحركة فتح و منظمة التحرير الفلسطينية.
برزت في سنوات مضت، أصوات داخل حركة فتح، تحمل راية الإصلاح، وترفض سياسة عباس في قيادته لفتح.
قاد القيادي البارز في الحركة محمد دحلان، الملقب برجل فتح القوي والمعروف بصلابته، التيار الإصلاحي، رفضا لما وصلت له فتح من ترهل وتراجع على المستويين الإداري والتنظيمي، في محاولة منه لإنقاذ الحركة، لكن عباس رفض أي تغيير، ففعّل في عام 2011 سلاحه القاتل المتمثل بفصل دحلان من الحركة نهائياً، عبر إلصاق الكثير من التهم به.
سياسة عباس في إقصاء معارضيه وكل من له صلة في التيار الإصلاحي، بدءا بدحلان ومروراً بعيسى قراقع، وصولاً إلى القيادي ناصر القدوة.
القدوة.. الرجل الصامت
يحظى القيادي الفتحاوي ناصر القدوة، ابن شقيقة الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، بتاريخ سياسي كبير، جعلت منه وجها سياسيا معروفا.
تقلّد القدوة العديد من المناصب، حيث انضم طبيب الأسنان إلى حركة فتح في عام 1969، وانتخب عضواً في المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1981 وحتى عام 1986.
عُين وزيراً للخارجية الفلسطينية منذ إبريل 2003، وحتى 2005 في حكومة أحمد قريع، ورئيس الفريق الفلسطيني أمام محكمة العدل الدولية، لمتابعة الفتوى القانونية بخصوص الجدار الفصل الإسرائيلي عام 2004.
كما شغل الرجل منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة عرفات منذ تأسيسها عام 2007 التي أعلن عباس قبل أيام عن وقف المخصصات المالية لها بسبب عداوته مع القدوة.
وفي عام 2009، انتخب عضوا في اللجنة المركزية (أعلى الهيئات القيادية للحركة) حتى تاريخ فصله، فلم يعرف عنه أي نزعة صدامية مع القيادة السياسية الفلسطينية.
البحث عن فرصة
يُعرف عن القدوة، الرجل الاكاديمي، وارتباطه بحركة فتح، وإعلانه خوض الانتخابات بقائمة مستقلة عن قائمة حركة فتح، التي يسيطر عليها عباس، وقد يكون ذلك نتاج صمت وانتظار لفرصة انتظرها طويلا، ليأخذ مكانة مرموقة في السلطة و الحركة، مستغلا طريقة قيادة عباس للحركة.
لم يكن القدوة الوحيد المستاء من السياسة التي تدار بها فتح ، دفع أكثر من 19 عضواً للاستقالة من اللجنة المركزية للحركة، وهو ما يشي بوجود أعداد كبيرة يتبنون فكرة التيار الإصلاحي التي يرفضها عباس، والتي اصبحت قوة على الارض، تملك مقومات كثيرة، تؤهلها لخوض الانتخابات الفلسطينية التشريعية و الرئاسية.
لماذا يُقيل عباس قيادات من الصف الأول بفَتح ؟
مع كل مرة يُقدمُ فيها محمود عباس، على تفعيل سلاح الإقالات بحق قيادات وزانه في حركة فتح ومؤسسات السلطة، تكثر التساؤلات عن أسباب هذه الإقالات.
فهذه الإقالات بحق القيادات، وفق مراقبين، تأتي لإزاحتهم قصرًا عن المشهد، في رسالة شديدة وواضحة من عباس لخصومه ومعارضيه بأن مصيرهم “الإقالة” والتأكيد على أنه لا يزال الرجل الأقوى.
ثمة انعكاس آخر تشير إليه هذه الإقالات، وتعلّق الجرس تجاه انقسامات داخلية، وصراع على النفوذ، ومحاولة عباس الهيمنة المطلقة على مفاصل فتح والسلطة، كما تعكس قلقًا من عباس ومَن يدور في فلكه، إذ يخشى الرجل أن تخرج فتح من نفوذه ومصالحه، ويتولاها أشخاص لا يدينون بالولاء له.
عباس.. واستمرار الاطاحة بمعارضيه
يسعى محمود عباس للإمساك بيد من حديد كل المؤسسات التابعة للسلطة وحركة فتح، للسيطرة عليها بشكل كامل، وبالتالي، فانه يرى انه من ازالة والاطاحة بشخصيات للاستحواذ على تلك المؤسسات وتقوية نفوذه داخلها.
أكدت قيادات أن محمود عباس كان قد اتخذ قرارًا مسبقا لا رجعة عنه في إقالة كل من يعارض قراراته وتوجهاته السياسية الداخلية والخارجية، وأن مصير كل من يعارضه الإقالة مهما كان منصبه ومكانته في مؤسسات السلطة والحركة، وهو ما يعني أن الرجل ماضٍ في سياسة الإقالات، وأن ناصر القدوة لن يكون الأخير في مسلسل الإقالة.