تعيش حركة فتح هذه الأيام حالة غير مسبوقة من الشك على مستوى وحدة الصف الداخلي للحركة، بعد أن حرّكت الانتخابات رمال الخلاف بين قياداتها.
نار الخلافات برزت بحدة، في ظل احتمال خوض قياديين في الحركة الاقتراع عبر قوائم مستقلة وهو الأمر الذي يمكن أن ينعكس على حظوظها، ويفرّق أصوات الناخبين.
وتواجه حركة فتح اختباراً جديداً لإظهار وحدتها وقوتها في مواجهة مسؤولين بارزين في الحركة حاليين وسابقين، يخططون لتشكيل قوائم انتخابية منافسة لقائمة الحركة الرئيسية، والخوف من أن يمتد هذا التحدي ليطال المنافسة على الانتخابات الرئاسية، فتجد الحركة نفسها تخرج من الانتخابات خاسرة ومشتتة ومقسمة.
القدوة أول المتمردين في الحركة
أشعل عضو اللجنة المركزية لفتح ناصر القدوة، وهو ابن شقيقة زعيم الحركة التاريخي ياسر عرفات، فتيل الأزمة بعد قراره بتشكيل قائمة انتخابية لخوض انتخابات المجلس التشريعي، متحدياً قائمة الحركة الرسمية، تحت اسم “الملتقى الوطني الديمقراطي الفلسطيني”.
قرار القدوة بتشكيل قائمة مستقلة عن فتح، جاء بسبب رفضه لنهج الحركة الحالي، ورفضه كذلك التفاهم الذي حدث بين فتح وحماس، وتم بناء عليه الذهاب للانتخابات دون حل مشكلات الانقسام الفلسطيني، قائلاً: “لديّ إحساس بأننا نذهب بخطوات لن نعود عنها، وسنأخذ فتح إلى الطريق الصحيح”.
فتح ترد على القدوة بالفصل من الحركة ولجنتها المركزية
قرار القدوة بتشكيل قائمة مستقلة، أثار حفيظة وغضب مسؤولي الحركة، باعتباره خروجا على القرار الجامع لفتح، وتعلن يوم الخميس، 11 مارس، فصل ناصر القدوة من عضويتها بعد أن اعطته مهلة لمدة 48 ساعة للعدول عن قراره، وهو الأمر الذي لم يحصل.
وأوضحت الحركة في بيان لها أن “القرار جاء بعد فشل كافة الجهود التي بذلت مع القدوة من قبل بعض أعضاء اللجنة المركزية“.
وأكدت في البينان: “أنه والتزامًا بالنظام الداخلي، وبقرارات الحركة، وحفاظاً على وحدتها، فإنها تعتبر قرارها بفصله نافذاً من تاريخه”.
القدوة يعلّق على قرار الفصل: “لا أزال فتحاويًّا”
وعقّب ناصر القدوة عل قرار إقالته من الحركة ولجنتها المركزية بأنه لا يزال فتحاويًّا حتى العظم وأن ما حدث لن يغير في هذه الحقيقة على الإطلاق، وأنه سيبقى حريصاً على مصالح الحركة، معتبرا القرار بأنه يثير الحزن والشفقة على ما آلت إليه الأمور في حركة فتح.
انشقاق فتحاوي في منصب الرئاسة
الخلافات في فتح لا تقتصر على انتخابات المجلس التشريعي، بل وصلت للانتخابات الرئاسية، ففي الوقت الذي أعلنت فيه فتح ترشيح محمود عباس ليكون ممثلها الوحيد في الانتخابات الرئاسية، أعلن القيادي الفتحاوي البارز الأسير مروان البرغوثي نيته الترشح للانتخابات الرئاسية ليكون منافسا للرئيس الحالي محمود عباس، وهو ما دفع بعباس للقيام بإرسال رسالة للأسير البرغوثي في سجنه عبر القيادي حسين الشيخ، في خطوة هي الأولى من نوعها لمحاولة ثني البرغوثي عن الترشح للرئاسة والإبقاء على محمود عباس كخيار موحد للكل الفتحاوي.
فتح قد تدخل الانتخابات بـأربعة قوائم.. فما مصير الانتخابات؟
في حال استمرار الخلافات والصراع بين التيارات المتناحرة سراً وعلناً داخل حركة فتح، فمن المرجح أن تدخل الحركة الانتخابات بأربع قوائم منفصلة ومتنافسة: الأولى تتبع اللجنة المركزية الخاصة بالمقربين من محمود عباس، والثانية يقودها ناصر القدوة، والثالثة لنبيل عمرو، والرابعة تتبع القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان.
وتخشى الحركة أن تسهم حالة الانقسام والتناحر بين قيادات الحركة في قوائم متنافسة بتقسيم الجمهور الفتحاوي وتقسيم الأصوات الفتحاوية على أكثر من قائمة، الأمر الذي يصب في مصلحة المنافس الأول حركة حماس، التي تدخل الانتخابات بعد ترتيب بيتها الداخلي على مستوى قيادة الحركة.
وفي السياق تخشى أوساط فلسطينية أن يدفع هذا الواقع الرئيس عباس إلى التفكير في إلغاء الانتخابات أو تأجيلها، تحت عدد من الذرائع.
صراع الهيمنة داخل فتح يتجلى باستخدام عباس لسلاح الإقالات
حملة الإقالات التي تشهدها حركة فتح، عدَّهُ مراقبون انعكاسًا للانقسامات الداخلية، ويشي بالصراع على النفوذ، ومحاولة هيمنة الرئيس على الحركة وإقصاء كل من يخالفه.
ووفق مراقبون فإن هذه الإقالات تعكس قلقًا من عباس وبطانته، خوفا من أن تخرج فتح من نفوذه ومصالحه، فيجد نفسه بعيدا عن كرسي السلطة والسيطرة على الرئاسة والحركة في ان واحد.
وأعادت قضية فصل القدوة من الحركة ولجنتها المركزية الذاكرة إلى عام 2011 عندما قرر محمود عباس فصل القيادي البارز في الحركة محمد دحلان، على خلفية خلافات بين الرجلين.
ويرى مراقبون أن محمود عباس بات يعتمد استخدام سلاح الإقالات للتخلص من كل القياديين الفتحاويين المعارضين له أو حتى المنافسين له، الأمر الذي يضع الحركة أمام حقيقة الرجل الواحد، “إما أنا أو لا أحد”، في وقت تمارس فيه حماس الفصيل المنافس لفتح عملية تداول رئاسة الحركة بشكل ديمقراطي.
ففي ظل المعطيات القائمة، ليس مستبعدا ان تشكّل الانتخابات التشريعية الفلسطينية والرئاسية منعطفا حقيقياً لوحدة حركة فتح.