شنت “إسرائيل” في الثالث من يوليو تموز عملية عسكرية كبرى في مخيم جنين للاجئين، أحد معاقل المسلحين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، مما أدى إلى ارتقاء 10 فلسطينيين على الأقل في الاشتباكات.
– لماذا تهاجم إسرائيل” جنين: منذ مارس آذار 2022، صارت جنين ومناطق نائية في شمال الضفة الغربية التي تحتلها “إسرائيل” عرضة لهجمات مكثفة أمرت بها الحكومة الإسرائيلية المؤلفة من قوميين ومتدينين بعد سلسلة هجمات نفذها فلسطينيون في الشوارع.
ويعيش في مخيم جنين منذ زمن بعيد مسلحون يحوزون مجموعة من الأسلحة الخفيفة وترسانة متنامية من العبوات الناسفة. واتهم الجيش الإسرائيلي مرارا الجماعات المسلحة بنشر مقاتليها في مناطق حضرية مكتظة بالسكان مثل مخيمات اللاجئين التي يعود تاريخها إلى عام 1948. ويعيش كثير من النشطاء في المخيم، وغالبا مع عائلاتهم.
وقتلت القوات الإسرائيلية في يناير كانون الثاني سبعة مسلحين ومدنيين اثنين في هجوم على جنين. وخاض مقاتلون الشهر الماضي معركة بالأسلحة النارية مع القوات الإسرائيلية استمرت لساعات ارتقى خلالها ستة فلسطينيين وأُصيب أكثر من 90. كما أصيب سبعة جنود إسرائيليين في انفجار لغم أرضي أعطب مركبتهم المدرعة.
وقتل مسلحون فلسطينيون أربعة إسرائيليين بالقرب من مستوطنة يهودية ردا على ذلك، مما دفع المستوطنين إلى مهاجمة بلدات فلسطينية، حيث أضرموا النيران في مبان وسيارات.
يأتي هذا الانزلاق إلى بعض من اكثر أعمال العنف منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية من عام 2000 إلى 2005 وسط غياب طويل لمحادثات سلام تتبنى قيام دولة فلسطينية وفي ظل قيادة سياسية فلسطينية تزداد ضعفا ومع توسع مطرد في المستوطنات اليهودية على الأراضي المحتلة في وجود حكومة إسرائيلية قومية هي الأكثر تشددا من أي وقت مضى.
أين جنين وكيف تمضى الحياة فيها: تقع مدينة جنين الصغيرة في منطقة تلال بأقصى شمال الضفة الغربية قرب الحدود مع “إسرائيل”. ويوجد في المدينة مخيم للاجئين يحمل الاسم نفسه ويؤوي نحو 14 ألفا هم أحفاد فلسطينيين هُجروا لدى قيام “إسرائيل” عام 1948، ومعظمهم من الفقراء والعاطلين عن العمل. ويولد هذا الإرث القاسي عداء شديدا “لإسرائيل” ودعما للجماعات الفلسطينية المسلحة.
ما أهمية مخيم جنين للاجئين: كانت جنين ساحة لبعض من أسوأ وقائع المواجهات الدامية الدماء خلال الانتفاضة الثانية، التي بدأت بعد انهيار محادثات السلام المدعومة من الولايات المتحدة في عام 2000 ثم تصاعدت إلى صراع بين “إسرائيل” والجماعات المسلحة.
خرج من جنين العديد من منفذي العمليات الانتحارية الذين قادوا الانتفاضة. ولكبح جماحها، شنت “القوات الإسرائيلية” المدرعة هجوما مدمرا على المخيم في أبريل نيسان 2002 في إطار حملة قمع واسعة النطاق على المناطق التي كان الفلسطينيون يمارسون فيها حكما ذاتيا محدودا بموجب اتفاقات سلام مؤقتة أُبرمت في التسعينات.
وذكرت تقارير الأمم المتحدة أن 52 فلسطينيا “قتلوا” في جنين، ما يصل إلى نصفهم من المدنيين، بينما فقدت إسرائيل 23 جنديا وهُدم أكثر من 400 منزل وصار أكثر من ربع السكان بلا مأوى، مما استلزم إعادة بناء المخيم.
وبعد عقدين من الزمان، دقت “إسرائيل” ناقوس الخطر إزاء العدد المتزايد من المسلحين الموجودين في جنين حيث يكدسون الذخائر. وتقول إسرائيل إن المخيم مركز للتخطيط والتحضير لهجمات المسلحين فضلا عن أنه ملاذ آمن لمقاتلين تمولهم حماس أو حركة الجهاد الإسلامي المدعومة من إيران.
كما تقول إسرائيل إن مسلحين في منطقة جنين نفذوا أكثر من 50 هجوما بأعيرة نارية منذ بداية العام الحالي، وإن ما يقرب من نصف سكانها ينتمون إما إلى حماس أو الجهاد الإسلامي.
وأثار إطلاق مسلحين لصاروخين بدائيين بالقرب من جنين الشهر الماضي مخاوف في إسرائيل من أن الضفة الغربية ربما تسير في طريق قطاع غزة الذي سحبت منه المستوطنين في عام 2005 وتحكمه حاليا فصائل إسلامية مسلحة.
وغالبا ما تستخدم إسرائيل في مداهماتها الأحدث والأصغر نطاقا على جنين فرقا من العمليات الخاصة ترتدي الزي الفلسطيني، لكنها تواجه صعوبات نظرا لقيام المسلحين بوضع عبوات ناسفة في الممرات الضيقة واكتشافهم السريع للغرباء في المخيم.
ساهم ذلك في تحديد حجم العملية الإسرائيلية في أوائل يوليو تموز الجاري، والتي يشارك فيها أكثر من 1000 جندي، وكذلك في قرار إسرائيل دعمهم بضربات نادرة بطائرات مسيرة فيما وصفته بمحاولة لتدمير البنية التحتية والأسلحة.
ومن بين المواقع التي يقول الجيش الإسرائيلي إنه اكتشفها في جنين غرفة قيادة بها مجموعة من كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة تغطي المخيم ونفقا ومستودع أسلحة تحت مسجد.
وتقول إسرائيل أيضا إنها ألقت القبض على 120 من المشتبه بأنهم مقاتلون وقتلت تسعة مسلحين على الأقل في جنين. وتأكد أن خمسة من القتلى كانوا من المسلحين.
لماذا المسلحون بهذه السطوة: من بين الجماعات المسلحة الموجودة في جنين حركة الجهاد الإسلامي المدعومة من إيران وحركة حماس التي تسيطر على غزة والجناح العسكري لحركة فتح التي يتزعمها الرئيس محمود عباس. ويعمل المسلحون في المخيم تحت مظلة كتيبة جنين.
ويرجع تزايد وجودهم في جانب منه إلى ضعف قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية التي يتزعمها عباس والمدعومة دوليا والتي تقول إن إسرائيل قوضت مصداقيتها على الأرض. غير أن هذه الجماعات تزداد قوة بسبب ضعف عباس البالغ من العمر 87 عاما، والذي انهارت صيغته الخاصة بمفاوضات إقامة الدولة مع إسرائيل في عام 2014 دون وجود فرص لإحيائها في الأفق، وكذلك بسبب ما يُعتقد بأنه عدم كفاءة وفساد مستشر داخل السلطة الفلسطينية.
ما هو تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: أدى قيام إسرائيل عام 1948، بعد هزيمة جيوش عربية من أنحاء الشرق الأوسط، إلى تشتت مئات الألوف من الفلسطينيين بأنحاء المنطقة الأوسع فيما يسميه الفلسطينيون نكبتهم.
وبعد 19 عاما، استولت “إسرائيل” بعد حرب أخرى كبرى على الضفة الغربية والقدس الشرقية من الأردن وغزة من مصر. وضمت إسرائيل القدس الشرقية في خطوة غير معترف بها دوليا ثم بدأت في إنشاء مستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتوصلت إسرائيل والفلسطينيون في منتصف التسعينات إلى اتفاقات سلام مؤقتة، لكن سلسلة من مفاوضات “الوضع النهائي” تعثرت مرارا بسبب خلافات استعصت على الحل بخصوص قضايا الحدود والمستوطنات واللاجئين والقدس. وانهارت آخر جولة من تلك المحادثات، والتي توسطت فيها الولايات المتحدة، في 2014.