القائمة البريدية
إشترك بالقائمة البريدية

احصل على اشعارات دائما من بدون رقابة عبر بريدك الالكتروني

نفوذ بريطاني سرّي على الأجهزة الأمنية الفلسطينية

تقرير صادم: نشر موقع “The Cradle”  تقريرا يستند الى وثائق سرية، تكشف علاقة بريطانيا باجهرة الامن التابعة للسلطة الفلسطينية. اشار موقع  “The Cradle”  الى قضية الاموال الطائلة سنويا التي تضخّها بريطانيا، منذ عام 2015 ، في “برنامج عملية السلام في الشرق الأوسط” التابع لوزارة الخارجية، والذي تبلغ تكلفته عدة ملايين من الجنيهات.

الملخص الرسمي لهذه الجهود يزخر بالأهداف السامية حول حماية الفئات الأكثر ضعفاً واحترام مبادئ حقوق الإنسان والعمل من أجل السلام. لكن هدفها الأساسي – إن لم يكن الوحيد – محدّد بوضوح منذ البداية، وهو بناء مؤسسات داخل السلطة الفلسطينية “جاهزة لإقامة الدولة، وداعمة لقيم المملكة المتحدة ومصالحها”.

دور بريطاني فاعل:  يُظهر التقرير على موقع “The Cradle” ، وفقا للوثائق السرية، أن المبادرات البريطانية “تركز بشكل خاص على قطاع الأمن”، وهو أمر مفهوم. فقط، من خلال جهاز أمني قوي وعنيف يمكن لسلطة فاسدة غير منتخبة وتخضع للإملاءات الصهيونية أن تستمر في الحكم.

تكشف الوثائق عن دور فاعل تلعبه لندن في تشكيل قوات الأمن التابعة للسلطة وإدارتها وتوظيفها وأساليب القمع التي تمارسها، عبر شركة آدم سميث إنترناشونال، وهي متعاقد مثير للجدل مع الحكومة البريطانية.

منذ عام 2012 ، حصدت الشركة أرباحاً بالملايين من مشروع “بناء قدرات قوى الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية” و”مجالات منفصلة عن وزارة الداخلية” من أجل “احتراف” “المؤسسات الأمنية” الأخرى التابعة للسلطة.

المشروع جرى تنفيذه في سياق مهمة مكتب منسق الأمن الأميركي (USSC) لإسرائيل والأراضي الفلسطينية الذي يتولى تدريب بعض قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وذلك عبر مجموعة من “المرشدين المدمجين” في المكتب. وهو يوفر “المساعدة التقنية والتدريب والتوجيه أثناء العمل” لعدد من الأجهزة الأمنية، من بينها الشرطة وأجهزة المخابرات ووحدات “الحماية المدنية”. كما يقدّم “المشورة الاستراتيجية” مباشرة إلى منسق الأمن الأميركي “حول التطور المؤسسي لقطاع الشرطة”، بينما يتلقى المركز الإعلامي التابع للسلطة المساعدة في حملات “الاتصالات الاستراتيجية” من أجل “الدعم الشعبي لبرنامج تحقيق إقامة الدولة”. المقصود، بعبارة أخرى، عمليات حرب المعلومات المصممة للتلاعب بالفلسطينيين وتهدئتهم.

ليست أسهل المهام: تقدم شركة “آدم سميث” تدريبات وخدمات لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية ذات طابع بريطاني واضح. أحد المؤشرات الواضحة على ذلك إنشاء “أكاديمية الضباط الفلسطينيين” على غرار أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية، حيث يتم تدريب نخبة ضباط الجيش البريطاني. 

اشار  “The Cradle”  الى ان شركة “آدم سميث” تفتخر بأنها صاغت “دراسة الجدوى” للأكاديمية، وأقرّت “خطط التصميم والتطوير” مع قوات الأمن ووزارة الداخلية الفلسطينية، وأمّنت “ميزانية بملايين الجنيهات” لإطلاقها وتشغيلها.

يتلقى طلاب الأكاديمية “منهجاً عملياً للقيادة” لمدة تسعة أشهر يتضمّن “أكثر من 1700 خطة درس” بالإنكليزية والعربية، يشرف عليها 12 موظفاً دولياً و30 موظفاً فلسطينياً. كما قدّمت “آدم سميث” المشورة لمدير التدريب العسكري “حول تصميم الدورة التدريبية، وطرائق تدريسها، والهيكل التنظيمي، إضافة إلى الأمور التشغيلية المتعلقة بالتدريب، مثل توفير الموارد وتنسيق الدورة التدريبية وإدارة البنية التحتية للتدريب”.

وصول ناجح: وضمنت “آدم سميث” الوصول إلى “مناطق مستقلة” عن وزارة الداخلية في السلطة الفلسطينية، و”موافقة” كبار مسؤولي جهاز الأمن الفلسطيني على عملياتها التدريبية، وذلك عبر إدماج “مستشار تقني عسكري متخصص” في صفوف الجهاز. وفيما لم تتضمن الوثائق اسم هذا المستشار، تشير الشركة إلى أنتوني مالكين، الرئيس السابق للتدريب على القيادة في أكاديمية ساندهيرست.

آدم سميث: عمل أنتوني مالكين على “تحسين القدرة التشغيلية” للشرطة المدنية والقوات المسلحة وأجهزة الاستخبارات التابعة للسلطة الفلسطينية، و”تدريب القادة والعناصر وتقديم المشورة لهم”. وطوال الفترة السابقة، “(أظهر) أنه قادر على العمل بشكل جيد في محيط ملتبس، وكان مرناً في التكيف مع تطور المهمة التي تعكس تأثيرات سياسية وعسكرية أوسع”. 

وتصفه الشركة بأنه “المستشار الدولي الوحيد المنخرط على هذا المستوى الرفيع في [قوات الأمن]؛ فهمه العميق للسياق ومهاراته في اللغة العربية أكسباه احترام الجهات المعنية الرئيسية”. وتضيف: “ضمن مستشارنا موافقة  كبار المسؤولين، وبالتالي نجاح أكاديمية الضباط الفلسطينيين على المدى الطويل… من خلال صبره ولباقته ودبلوماسيته، ما أدى إلى بناء علاقات ثقة متينة”.

ترك مالكين منصبه عام 2016، بعد ثلاث سنوات. في كانون الأول – ديسمبر من ذلك العام، نشر مدوّنة على موقع LinkedIn توضح خبرته في بناء أكاديمية الضباط، زخرت بأفكار استثنائية، من قبيل وجود “ارتباط استخباراتي كبير بين إسرائيل وقوات الأمن الفلسطينية”، في ما يتعلق بالتهديدات المزعومة التي يشكلها “الجيران المباشرون” للضفة الغربية وبـ”التهديدات الداخلية للأمن والسلام”.

وشرح مالكين أنه واجه عدداً من العقبات في إطلاق الأكاديمية، “أكثرها تعقيداً” كان ضمان “قبول إسرائيل وموافقتها الضمنية على المشروع”، نظراً إلى أنه يتضمّن تدريب الفلسطينيين على استخدام البنادق والمسدسات، علماً أن إسرائيل تحظر على الفلسطينيين حيازة “أي أسلحة ثقيلة”. في النهاية، مُنحت الموافقة “شرط عدم تدريب قنّاصين”!

ميزانية امريكية: لم يكن الحصول على دعم مهمة منسق الأمن الأميركي لهذا المسعى “أسهل المهام”، لأنه كان “مشروعاً مركزياً بريطانياً بشكل أساسي يعتمد على عقيدة القيادة في المملكة المتحدة، ولكن بميزانية أميركية”. مع ذلك، و”رغم الهواجس الكبيرة والرفض المبدئي، تم الإفراج عن ميزانية بملايين الدولارات”.

حقيقة قاتمة للسلطة: مثل هذه المآثر مفيدة لاستكشاف أين يكمن انتماء مالكين وتعاطفه. كما تكشف روايته عن الحقيقة القاتمة للسلطة الفلسطينية غير المنتخبة، ككيان صُنع في الخارج يخضع لسيطرة أجنبية، ولا يمارس السلطة لمصلحة سكان الأراضي المحتلة، بل لمصلحة الحكومات الغربية ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي.

من وجهة نظر الخارجية البريطانية، فإن توجيه أنشطة السلطة ومكوّناتها لا يضمن فقط أن تبقى “داعمة لقيم المملكة المتحدة ومصالحها”، بل تمكّن أجهزة الأمن والاستخبارات الداخلية والخارجية البريطانية من تدريب عين رقابة لا تنام فوق سكان غزة والضفة الغربية. نتيجة ذلك، يُمّكن بريطانيا وإسرائيل، عبر أدوات محلية، تحييد التهديدات بأعمال عنف انتقامية ضد الإبادة الجماعية التي يمارسها الاسرائيليون في الأراضي المحتلة.

العمل بدأ مع قدوم عباس للسلطة: التغلغل البريطاني في السلطة الفلسطينية قصة طويلة مستمرة، والهدف الدائم هو البنية التحتية الأمنية. اشار تقرير“The Cradle” انه في عام 2004، أوفدت حكومة توني بلير ضابط الشرطة البريطاني المخضرم جوناثان ماكيفور لمساعدة الشرطة الفلسطينية.  ويشير التاريخ الذي نشطت فيه بريطانيا بالفعل، هي الفترة الزمينة التي بدء التحضير لقيادة فلسطينية جديدة مع نهاية دور الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. 

في العام التالي، اي عام 2005، عُيّن من قبل الاتحاد الأوروبي لتأسيس المكتب التنسيقي لدعم الشرطة الفلسطينية (COPPS)، وهي أول بعثة “أمنية” للاتحاد الأوروبي في فلسطين – مما يساهم في زيادة التعاون بين الأجهزة العسكرية والأمنية والاستخباراتية التابعة للسلطة وبين قوات الاحتلال الإسرائيلي – قبل الإطلاق الرسمي، نهاية عام 2005، لبعثة الشرطة الأوروبية لمساندة الشرطة الفلسطينية، والتي كان ماكيفور أول رئيس لها لنحو عام.

يمكن أن يُطرح كثير من الأسئلة حول ما إذا كانت السلطة الفلسطينية تستنير اليوم بالتكتيكات التي اكتسبها ماكيفور أثناء عمله في شرطة أولستر الملكية، وهي قوة شرطة في أيرلندا الشمالية اشتهرت بدمويتها ضد الأقلية الكاثوليكية في المقاطعة، وتواطئها مع الجماعات الإرهابية الموالية للندن.

التقنيات التعذيب الخمس: أجادت بريطانيا، في إيرلندا الشمالية، استخدام “التقنيات الخمس” للتعذيب النفسي والجسدي التي شكلت أساس التعذيب الحديث في كل أنحاء العالم، إلى جانب استراتيجية “الاعتقال من دون محاكمة” للمشتبه فيهم بالإرهاب.

عام 1976، أعطى توجيه سري لشرطة أولستر الملكية حرية استخدام هذه الأساليب متى شاء ضباطها، واستمرت ذلك حتى التسعينيات، بالتزامن مع فترة عمل ماكيفور في هذه القوة. ومن الثابت مشاركة السلطة الفلسطينية على نطاق واسع في عمليات الاعتقال التعسفي وتعذيب المعتقلين، بناء على طلب إسرائيل عادة.

نشاط الامن الفلسطيني: اليوم، تثبت السلطة على نحو متزايد أنها قليلة الفاعلية في قمع المقاومة المسلحة لحكمها الوحشي وللتطهير العرقي الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وهي ربما في أمسّ الحاجة أكثر من أي وقت آخر إلى توجيهات “خبراء” شركة “آدم سميث” وغيرها من المتعاقدين مع الحكومة البريطانية.

بدون رقابة / The Cradle
المزيد من الأخبار