سيناريوهات ما بعد رحيل محمود عباس عن رئاسة السلطة الفلسطينية، لا تزال تتصدر الملف الفلسطيني، خاصة في الاونة الاخيرة بعد انتشار تقارير تؤكد مرض عباس (87 عام)، واستمرار تأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
انعدام نية القيادة الفلسطينية لإجراء انتخابات في المستقبل القريب يعقد المشهد أكثر مما هو عليه الآن، مما يجعل فرص انتقال سلس للسلطة أمرًا لا يمكن تصور حدوثه في المستقبل القريب ، الأمر الذي يدفع بفرض حدوث الفوضى الداخلية أمر مؤكد.
عمليا، حتى لو قلل المسؤولون الفلسطينيون من أهمية شغور منصب الرئيس وعدم اجراء انتخابات، وانتقال سلس للسلطة في تصريحاتهم ، إلا أنهم يدركون باطنيا أنهم يواجهون معضلة كبيرة.
وتحدث صحيفة الاخبار اللبنانية المقربة من حزب الله اللبناني، يوم الثلاثاء، بشأن شغور منصب رئاسة السلطة الفلسطينية وعملية “التوريث” لقيادة السلطة الفلسطينية.
ترى الصحيفة ان هناك اختلافات واختلالات قانونية تُعقّد أيّ عملية توريث، على الرغم من تقدُّم عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، حسين الشيخ، عدّة خطوات لتثبيت نفسه خلَفاً للرئيس محمود عباس، عبر منحه عضويّة “اللجنة التنفيذية لمنظّمة التحرير” وتكليفه أمانة سرّها.
تطرقت الصحيفة الى الوقاع الذي تعيشه ثلاثة اطراف، وهي منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة فتح، والسلطة الفلسطينية. واشارت الى عدد من السيناريوهات المحتملة، والتي تتداخل فيها المعطيات الفلسطينية والإقليمية والدولية، مع ما تستبطنه من محاولات لفرض “إملاءات”.
ويتمثّل السيناريو الأول في اللجوء إلى القانون الأساسي الفلسطيني الذي ينصّ على تعيين رئيس المجلس التشريعي رئيساً لمدّة 60 يوماً، يتمّ من بعدها إجراء انتخابات رئاسية، إلّا أن هذا السيناريو عملت “حركة فتح” التي يتزعمها محمود عباس، خلال السنوات الماضية على استبعاده عبر قرار حلّ المجلس الذي اصدره عباس، حتى لا يتولّى رئيسه، عزيز الدويك، القيادي في حركة حماس، منصب الرئيس طيلة تلك المدّة.
وترى الصحيفة ان حركة “فتح” اشتغلت على التمهيد لسيناريو بديل يتمّ من خلاله التحايُل على السيناريو الأول، عبر اعتبار المجلس الوطني بمثابة المجلس التشريعي.
إذ تمّ في العام 2019 تفويض صلاحيات الأخير للأوّل، وهو ما يعني أن روحي فتوح، الذين عُيّن العام الماضي رئيساً للمجلس الوطني، سيقوم بدور الرئيس في حال غياب عباس، الى حين اجراء انتخابات رئاسية و تشريعية.
وسبق ان قام روحي فتوح المهمة ذاتها قبل 17 عام، عندما كان رئيسا للمجلس التشريعي عند وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات. حيث ادى اليمين الدستوري في المجلس التشريعي، ليكون قائما باعمال الرئيس (مرحلة انتقالية) الى حين اجراء انتخابات شاملة.
واشارت الصحيفة الى ان حركة فتح تخطط للدفع نحو تفسير قانوني تتولّاه المحكمة الدستورية العليا التي شكلّها محمود عباس عام 2020، على نحو يقضي بأن رئيس المجلس الوطني هو المقصود بتفويض الصلاحيات بعد حلّ المجلس التشريعي.
اما عن تولّي رئيس الدستورية، محمد الحاج قاسم، الرئاسة مؤقّتاً، ترى الصحيفة ان ذلك وارداً. لكن قيادات حركة فتح تخشى من أن الذهاب إلى انتخابات رئاسية جديدة قد يؤدّي إلى تصعيد مرشّح يدعمه منافسوها، خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي ومعها الجبهة الشعبية.
اما قطاع غزة، فيبقى عمليا معضلة حاضرة في ظلّ سيطرة حركة حماس عليه منذ عام 2007.
وهنا، تُطرح أفكار من قبيل استثناء القطاع من الانتخابات الرئاسية وقصْرها على الضفة الغربية بحجة عدم القدرة على إجرائها، أو تعيين حسين الشيخ لقيادة السلطة والمنظّمة عبر عقْد اجتماع للمجلس الوطني (بهدف منحه الشرعية من خلاله)، ومن ثمّ التعذُّر باستحالة إقامة الانتخابات في ظلّ استمرار منع إقامتها في مدينة القدس من قِبَل الاحتلال، وهو العُذر نفسه الذي رفعه عباس لإلغاء الانتخابات التشريعية والرئاسية في نيسان 2021.
كذلك، ثمّة سيناريو آخر يطرحه بعض الأطراف داخل حركة فتح، متمثّل في عقْد جلسة للمجلس المركزي للتصويت على تغيير جديد في القانون الأساسي الفلسطيني، يصبح النظام السياسي بموجبه نظاماً برلمانياً، وعليه تُنقل كلّ صلاحيات الرئيس إلى رئيس الحكومة، ويبقى مكان الرئيس شاغراً إلى حين إيجاد حلّ له، مع تحويله إلى منصب فخري.
في مقابل تلك السيناريوهات، تلوح إمكانية توافق الشيخ وماجد فرج وجبريل الرجوب على تقاسُم المناصب الثلاثة التي يَجمعها عباس حالياً، بحيث يكون الأوّل رئيساً لـ”اللجنة التنفيذية لمنظّمة التحرير” ومرشح حركة فتح لرئاسة السلطة أيضاً، ويتولّى الثاني قيادة الحركة، فيما تُوكل إلى الأخير رئاسة جهاز المخابرات العامة ومعها الملفّ الأمني.
وعلى الرغم من أن هذا السيناريو يُعدّ الأفضل بالنسبة إلى الدائرة المُقرَّبة من عباس، وبخاصة الشيخ وفرج، والأقلّ إضراراً بحركة فتح أيضاً، إلّا أن ثمّة تحذيرات من أنه سيجعل الرئيس المقبل منقوص الشرعية.
ومن هنا، يتقدّم سيناريو الفوضى، حيث لن يستطيع “أبو تالا”, كما يسميه الفلسطينيون، السيطرة على “فتح”، وسيدخل في نزاع مع عدّة شخصيات داخل “اللجنة المركزية” للحركة وبخاصة جبريل الرجوب وتوفيق الطيراوي ومحمود العالول الذين يرون أنهم الأحقّ بالمناصب القيادية التي يمهّد الشيخ وفريقه للحصول عليها.
ومن بين تلك النزاعات الممكنة، يَبرز خصوصاً احتمال الصدام بين الشيخ والرجوب، وهو ما لا ترغب فيه المنظومة الأمنية في دولة الاحتلال، كونه قد يؤدّي إلى عودة جزء من حركة «فتح» إلى المقاومة المسلّحة، فضلاً عن تفجير الأوضاع في الضفة، وتهشيم دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
وبين هذا وذاك، يسود اعتقاد بأنه في اليوم التالي للإعلان عن وفاة عباس، ستَدخل القاهرة وعدد من الأطراف العربية في وساطة بين أجنحة فتح نفسها، وبينها وبين بقيّة الفصائل، بهدف التوصّل إلى حلّ توافقي.
إلّا أن موقف حماس والجهاد الاسلامي والشعبية سيشكّل عائقاً أمام ترجيح عدد من السيناريوهات التي يطرحها الفتحاويون، فيما سيكون الموقفان الأميركي والإسرائيلي محوريَّين في تحديد هويّة الرئيس المقبل، الذي سيجد نفسه مكبَّلاً باشتراطات تحتّم عليه الاعتراف باشتراطات الرُباعية الدولية.