يبدو أن الرئيس بشار الأسد، الذي بدا في فترة من الفترات في صورة إصلاحي غير أن خصومه الكثيرين يعتبرونه طاغية بعد ما شهدته بلاده من حرب وقمع على مدى عشر سنوات، مقبل على تمديد حكم عائلته لسوريا من خلال الانتخابات التي تجري يوم الأربعاء.
ويخوض الأسد (55 عاما) الانتخابات سعيا لولاية رابعة. ورغم أن الولايات المتحدة أطلقت عليه وصف “حيوان” لشنه هجمات كيماوية على شعبه، فإن إيران تصفه بالمناضل الكبير لوقوفه في وجه واشنطن و”إسرائيل”.
ولا يواجه الأسد منافسا خطيرا في الانتخابات، وترى المعارضة السورية والدول الغربية في الانتخابات مهزلة هدفها الحفاظ على قبضته على السلطة.
وقد اصطبغت سنوات الأسد في الرئاسة بالصراع الذي بدأ في 2011 باحتجاجات سلمية قبل أن يتصاعد إلى حرب متعددة الأطراف أدت إلى تفتت سوريا واجتذبت قوى أجنبية من الأصدقاء والأعداء على السواء.
واستطاع الأسد لملمة شتات معظم دولته من جديد بمساعدة كل من روسيا وإيران، وساهم في ذلك أن البلدين الحليفين كانا على الدوام ملتزمين ببقائه في الحكم أكثر من التزام خصومه بهزيمته.
واتضح ذلك من خلال “خطين أحمرين” أحدهما أعلنه مستشار للزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي أنه لابد من بقاء الأسد في السلطة، والثاني أعلنه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما ويتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية.
ولم تلتزم بالخط الأحمر المعلن سوى إيران.
لكن سوريا تعاني من الدمار الاقتصادي. ويقول خصومه إنه يحكم فوق “أنقاض” برغم نجاحه في الحرب.
وفي مقطع فيديو رسمي في مارس آذار، قال الأسد إن المعركة من أجل الاقتصاد والعملة المتهاوية “لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية”.
ومنذ السنوات الأولى للحرب بدأ الأسد يعمل على سحق خصومه بعزم يردد أصداء الأسلوب الذي سحق به والده حافظ الأسد متمردين في أوائل الثمانينيات.
وشبه الرئيس نفسه في معرض تبرير رده على الاحتجاجات الأولى بالطبيب الجراح الذي يجري عملية جراحية. وقال أمام البرلمان السوري في 2012 “هل نقول له يداك ملطختان بالدماء؟ أم نشكره على إنقاذ المريض؟”
- ثقة مفرطة
يشيد أنصار الأسد بالطبيب الجراح، ويقولون إنه أنقذ سوريا من متطرفين يعملون بتمويل خارجي من أجل القضاء على أقليات دينية ويرسلون مسلحين متشددين لمهاجمة المدن في الخارج.
أما خصومه فيرون فيه حاكما مستبدا فضّل أن يحرق سوريا على أن يسمح بضياع السلطة من يديه، ودمر مدنه بالبراميل المتفجرة وملأ سجونه بمعارضيه.
كثيرا ما يصور الأسد نفسه كفرد متواضع من أفراد الشعب، فيظهر في مقاطع مصورة وهو يقود سيارة عائلية متواضعة وفي صور مع زوجته يزوران قدامى المحاربين في بيوتهم.
غير أنه كان يبدو على الدوام مفرطا في الثقة حتى عندما كانت الأمور تبدو في أحلك صورها بالنسبة له في الأشهر التي سبقت دخول روسيا الحرب دعما له في 2015، وعندما اعترف علنا بأن عدم كفاية القوى البشرية يعني أنه لا يمكنه الاحتفاظ بسوريا كلها.
وتلك خصلة واضحة المعالم للدبلوماسيين العرب المخضرمين الذين قالوا قبل الحرب إن أسلوب الأسد “المتغطرس” كان يضايق زعماء أطول منه باعا في الحكم في دول أخرى بالشرق الأوسط.
واتهم ناشطون ودول غربية الأسد بالمسؤولية عن هجمات كيماوية مثل هجوم بغاز السارين في الغوطة خلال العام 2013 أدى إلى اختناق المئات وهم نيام، وبقصف مستشفيات ومدارس وأسواق وبالقتل الجماعي والتعذيب.
وقد نفى الأسد بشدة الاتهامات بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات، وقال في بعض الأحيان إن الأدلة ملفقة، وأثار الشكوك فيما يمكن أن يستفيده من ارتكاب هذه الأفعال.
وأسفرت تحقيقات أجرتها الأمم المتحدة عن تقديم أدلة على أن قوات الجيش وأجهزة الأمن في سوريا كثيرا ما كانت تضرب البنية التحتية المدنية، وتستخدم أسلحة محرمة وتعذب المعارضين وتقتلهم.
وكانت الاتهامات بشن هجمات باستخدام أسلحة كيماوية هي التي أدت إلى ضربات جوية غربية محدودة على الأسد في 2017 و2018. غير أن أعداءه الأجانب تحاشوا في الغالب خوض معارك مباشرة مع قواته.
ويتناقض ذلك مع الدور العسكري الحاسم الذي لعبه أصدقاؤه، روسيا وإيران وجماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران، من خلال تحالفات أبرمها والده الذي وضع حكمه على مدار 30 عاما أسس الكثير من العوامل التي اصبطغ بها حكم الابن.
- “ربيع دمشق”
كان الرئيس الأب قد أعد ابنا آخر هو باسل لخلافته. إلا أنه عندما توفي باسل في حادث سيارة عام 1994 تحول بشار بين عشية وضحاها من طبيب عيون مغمور في لندن إلى وريث للحكم.
قال أيمن عبد النور الذي كان يعرف الأسد أيام دراسته الجامعية “كان مثل أي شخص عادي متواضع جدا ولطيف جدا وبسيط جدا لأنه لم يكن من المفترض أن يصبح رئيسا. ولذلك لم أكن أعرف ولم يكن أحد يعرف أن ذلك الإنسان قد يصبح هذا الرجل”.
وفي البداية، عندما أصبح رئيسا عقب وفاة والده عام 2000، بدا أن الأسد يتبنى إصلاحات ليبرالية في فترة وصفت بأنها “ربيع دمشق”.
وعمل على انفتاح الاقتصاد المركزي أمام الشركات الخاصة، وأفرج عن مئات السجناء السياسيين وسمح بمنتديات تُمارس فيها حرية التعبير وسعى للتقارب مع خصوم قدامى في الغرب.
غير أنه سرعان ما ساءت الأحوال.
وفي غضون عام، كانت الشرطة تحبس المعارضين، وساهمت الإصلاحات الاقتصادية فيما وصفها دبلوماسيون أمريكيون بأنها محسوبية وفساد “طفيلي” وذلك في برقية من السفارة الأمريكية في عام 2008 نشرها موقع ويكيليكس.
وبينما كانت النخبة تتباهى بثروتها كان الفلاحون يهجرون أراضيهم هربا من الجفاف في قراهم إلى أحياء فقيرة في المدن انطلقت منها فيما بعد الانتفاضة على الأسد في 2011. وطوى النسيان إصلاحات الأراضي الزراعية التي ضمن بها والده في وقت من الأوقات ولاء الفلاحين.
تمثلت قمة التودد بين الأسد والزعماء الغربيين في زيارة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لسوريا عام 2001.
وبعد عامين عندما أسقط الجنود الأمريكيون تمثال صدام حسين في إحدى ساحات بغداد خشي الأسد أن يخططوا لتكرار ذلك في سوريا.
وقالت واشنطن إنه فتح الحدود أمام المتطرفين في محاولة لإغراق الأمريكيين في مستنقع العراق وجعل أي مغامرة جديدة من المستحيل.
غير أن الحرب الأهلية في العراق أفرزت فرع تنظيم القاعدة الذي أصبح فيما بعد تنظيم الدولة الإسلامية، وسكب مزيدا من الزيت على نار الحرب وأراق المزيد من الدماء لدولة الأسد.