فلسطينن – بلا رقابة
لم تقم دولة فلسطينية بمعناها الطبيعي، باستثناء حكم ذاتي محلي توهمت به السلطة الفلسطينية في أنها تقود دولة رغم كل الوعود التي جاءت بها بنود اتفاقيات السلام منذ اتفاق أوسلو وما لحقها في أرضية
التسوية الشاملة من اتفاقيات اضافية جرى الحديث فيها على قضايا هامشية دون قضايا الوضع النهائي التي تفترض قيام دولة فلسطينية،
توهمت به السلطة الفلسطينية بقيادتها لدولة كاملة، يبدو في مسار الأحداث السياسية الحالية أن فرص قيام دولة فلسطين أمر مستحيل، لاعتبارات محلية تخص الشأن الفلسطيني ولاعتبارات اقليمية ودولية، وايضا في ظل استمرار الاحتلال الاسرائيلي في هندسة “الدولة اليهودية” عبر مشاريع واسعة من الاستيطان أو ما يعرف بـ مشروع الضم الاسرائيلي، الذي يعني السماح بقيام دولة فلسطينية مشتتة جغرافيا، منزوعة السلاح، قليلة الموارد، خاضعة للقرار الأمني الاسرائيلي ويمكن زوالها بأي لحظة.
محاكمة إسرائيل
ساهمت السلطة الفلسطينية بذاتها في اجهاض حلم قيام دولة فلسطينية تحديدا منذ مطلع عام 2005 حين كشفت سياسات القيادة الفلسطينية عن حالة الهشاشة الهائلة في ادارة الدولة، توجت بفشل سياسي واقتصادي واجتماعي مستمر منذ 15 عاما.
قرار القيادة الحالية في التخلي عن النضال الشعبي الفلسطيني، والغاء كافة اشكال المقاومة، بل واعلان العداء ضدها، والتشبث في مسار محادثات السلام دفع باتجاه مزيد من التفكك، ليس اولها الانقسام الفلسطيني والانفصال الجغرافي بين الضفة وغزة وليس اخرها انشطار المشروع الفلسطيني بين ثنائية قرار سياسي لكل منهما مشروعه الخاص.
الانقسام الفلسطيني
الانقسام الفلسطيني لم يحدث فقط على مستوى الفصائل الفلسطينية والقرار السياسي، بل ايضا على مستوى عامودي بين القيادة والشعب
نتيجة ممارسات ” نوليبرالية ” مشاريع الخصخصة والاقتراض الدولي، ما رآكم في مستوى الدين العام وارتفاع المديونية وزيادة معدلات البطالة، وتسبب بشرخ عميق أزال ثقة الناس بقياداتها، وألغى التضحية من قاموس الشعب الفلسطيني.
مستوى اخر في فشل القيادة الفلسطينية يظهر على مساحات الفعل الدولي والاقليمي، فغياب الدبلوماسية الفلسطينية الناجحة وضعفها
وفر للاحتلال الاسرائيلي استمرار نهجه التوسعي، وساهم في انتقال العواصم العربية الى نادي العلاقات مع اسرائيل.
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
ناهيك أن من يمتلك زمام الحل في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي – الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي – ليسوا جادين ابدا في قيام دولة فلسطينية، وتاريخ سياسات هذه الدول شاهد عيان، على المزاج السياسي المنحاز لفكرة يهودية الدولة.
وحتى حلفاء السلطة التاريخيين، ونتيجة لتطورات صاعدة في الاقليم بدأت تترسخ قناعة لديهم أن أضعف من الاستمرار وخارج معادلات الحل الفلسطيني، وما يؤكد ذلك هو المشهد الذي طفى على السطح الفلسطيني بعد العدوان الاخير على قطاع غزة.
وفي ضوء ذلك، ثمة قضيتان جوهريتان تحاول سلطة فلسطين التمسك بهما لإنعاش وجودها وتمسكها بوهم الدولة.
الأولى: ضمان استمرار الدعم والمنح المالية، وهو ما يعني مزيد من التنازلات الفلسطينية لصالح الحساب الاسرائيلي.
سارعت بتشكيل فريق مفاوضات جديد تحت اشراف الولايات المتحدة منذ نهاية ايار العام الحالي، وهي خطوة
تقرأ في سياق استجابة السلطة للمتغيرات الجديدة، وتقديم أوراق اعتماد للمجتمع الدولي وابلاغ رسالة مفادها الاستمرار بمسار السلام.
السلطة الفلسطينية
الثانية: لجوء السلطة وقيادتها للاختباء في جلباب الاحتلال، حيث كشف حرب غزة 2021 عن انخفاض حاد في موقع ومكانة السلطة الفلسطينية، وتدني رصيدها شعبيا واقليما ودوليا وعند الاصدقاء قبل الاعداء.
ما دفع بقيادة السلطة للاختباء في ثوب الاحتلال، وزيادة من مستوى التنسيق الأمني والعلاقات الثنائية والعودة الى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة.
التحرك الرسمي الفلسطيني هذا الذي جاء لغايات البقاء في المشهد، خاصة بعد ارتفاع الاصوات الداعية باقالة القيادة واستبدالها، لاقى قبولا واسعا لدى مركز القرار الاسرائيلي. فالخدمات التي قدمتها السلطة لاسرائيل خلال 15 عاما كبيرة، حتى أن المجتمع الاسرائيلي وعلى لسان نخبه السياسية عبروا في مناسبات عدة ، أن اسرائيل لم تعش ” بحبوحة ” واستقرارا أكثر من أي وقت مضى الا في ظل قيادة السلطة الحالية، والتي كما قيل عنها في المجتمع الاسرائيلي أن الإدارة تقع لدى أشخاص يرتمون احضان تل أبيب، وكل مصالحهم الشخصية الاقتصادية مرتبطة بقرار اسرائيلي.