“حركة فتح ” في مهَب الريح

على إيقاع متسارع تعيش قائدة الحركة الوطنية الفلسطينية حركة فتح- واحدة من أسوأ لحظات تاريخها ،
قرارات فصل طازجة / قوائم خارج القائمة الرسمية / انقسام في الموقف السياسي الموحد / وخروج واسع من الواقع الفلسطيني هذا الواقع الذي كانت تصوغه فتح وفق برنامج عمل سياسي وطني حقيقي لسنوات طويلة.

ليس مبالغة ابدا القول أن ما تمر به حركة فتح- اليوم اكثر سوءاً من عملية الانشقاق التاريخية التي عصفت بجسد التنظيم في مطلع الثمانينات على يد أبو موسى.
فالأزمة اليوم تتسع لتبلع مساحات الفعل التنظيمي من أعمق نقطة فيه وحتى الأطراف والهوامش وفي مقاربة بين أزمات فتح سابقا وبين ما يجري اليوم. فإن كل خلافات الماضي كانت تتعلق بالبرامج الوطنية وشكل التحالفات. أما اليوم فهي أزمة وجودية تمس الحركة في الصميم يقودها أعلى رأس فيها، محمود عباس.

15 عاما وأكثر من التفكيك

منذ توليه قيادة الحركة وإشغاله لمناصب أخرى في رئاسة السلطة الفلسطينية ورئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية،
يعبر محمود عباس عن عقل موهوم وطنيا وسلوكا نرجسيا تشكلت ملامحهما منذ انضمامه للحركة ؛
فهو الرجل الوحيد الذي وقف على الجبهة المناهضة لجبهة الكفاح المسلح، وهو الذي صاغ في الخلف برنامج النقاط العشر عام 1974 ،
أما اليوم فمسيرة هذا الرجل، خلال 15 عاما، كانت حافلة بالاخفاق على مستوى الحركة وعلى مستوى الدولة.
في عهده حصل أكبر انشقاق في جغرافية “الدولة” ، وفي تكريس ازدواجية التمثيل السياسي الفلسطيني، بعد انقلاب حركة حماس في قطاع غزة وقطع اتصال غزة جغرافيا واداريا و وطنيا بشكل كامل، وسال على اثرها دماء زكية من ابناء الشعب العربي الفلسطيني.
وفي عهده حول جسد حركة فتح، الى جسد هش مترهل يتضخم بشكل غير اعتيادي، ودفع بمركبة السلطة الفلسطينية، لتتقدم قطار الحركة عبر ممارسات استهدفت اقصاء القيادات وتهميش الشباب وتفكيك القواعد في الداخل وفي ساحات الشتات.
وفي عهده أيضا تحولت القضية الفلسطينية من قضية مصيرية وجدانية مشتبكة مع واقعها العربي، الى قضية سيكولوجية يتم تناولها في تعبيرات خجولة للغاية.
وفي عهده اليوم تنقسم حركة فتح على ذاتها أكثر من مرة، وها هي تخوض الانتخابات في أكثر صور الحركة ضياعا والا كيف يمكن أن يُفسر قرار ابو مازن في افتعال خلاف مع عضو اللجنة المركزية محمد دحلان في عام 2009، وكيف يُفهم قرار فصل القيادي ناصر القدوة بالتزامن مع الانتخابات التشريعية الحالية، وكيف يُفهم قيام واحد من قيادات فتح التاريخية المعتقل، مروان البرغوثي في إعلان قائمة انتخابية خارج حسابات الحركة، وتوحيد قائمته مع قائمة ناصر القدوة. وكيف يمكن استيعاب خوض الحركة انتخابات التشريعي بقوائم تضم أسماء باتت ممجوجة فلسطينيا وعربيا.
هذه نتائج العقل الذي يعتقد أن احتكار الحركة والشارع والموقف مشروعا والعقل الذي يتعامل مع الوطن كأنه سوبر ماركت- صغير
عقل كسول يدفع نحو أن تكون حركة فتح في مهب الريح بكامل تاريخها ونضالها وعنفوانها. ما لم يتم وقف النزيف في روح هذه الحركة، وضبط الايقاع مجددا، وإعادة الوهج الوطني لكامل تفاصيلها، اصبح قريب جدا – ولم يعد مستحيلا.

Exit mobile version