اسألوا إيران وتركيا وقطر ماذا فعلت

بدون رقابة - أخبار 
محمد أبو الفضل

لدى قطاع كبير من العرب حساسية شديدة من قضية التطبيع، وهم محقون في ذلك، لأن إسرائيل ارتكبت الكثير من الانتهاكات في حق الشعب الفلسطيني، وشعوب عربية عدة، ولديهم الحق في الحزن من مغبته إذا كان مجانيا، أو فوت فرصة جادة يمكن استثمارها في الضغط للحصول على تنازلات لإقامة الدولة الفلسطينية.

يبدو حديث التطبيع جذابا وشائكا ومتشعبا، ويتم توظيفه أحيانا للتغطية على تجاوزات معينة جرت في الخفاء، وعدم الوقوف عند تصرفات سلبية فاضحة لبعض القوى المتدثرة برداء الصمود والمقاومة والرفض.

ويُقصد منه التشويش على ممارسات من أسهموا في تمكين إسرائيل من ابتلاع المزيد من الأراضي العربية، وتغيير جانب من طبيعة الصراع معها، ونقلها من عدو حقيقي إلى محتمل، وتحول دول مثل إيران وتركيا وقطر من خصوم محتملين إلى واقعيين.

تقتضي الرؤية الشاملة مكاشفة من هذا النوع لوضع النقاط أعلى وأسفل الحروف، لأن جر النقاش إلى خانة لماذا أقدمت دولة الإمارات العربية إلى إعلان قبولها توقيع معاهدة سلام من إسرائيل قد يكون مبتورا، ما لم تتم قراءة المشهد الإقليمي بكل مكوناته، فالمعضلة الكبيرة تكمن في الدول التي لعبت دورا في الوصول إلى هذه النتيجة، والمؤكد أن الإمارات ليست واحدة منها.

لو انتفضت الأصوات التي تستنكر التعامل مع إسرائيل حيال إيران وتركيا وقطر، لكان هناك حد أدنى من التماسك العربي، وحد أقصى من القبول بالتعاطي معها، وحد متوسط للحصول على ما يمكّن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة، كما حوته الكثير من المبادرات الدولية والإقليمية، ولعل المبادرة العربية أشارت إلى مكونات واضحة في هذا المضمار الدقيق والعميق.

تمادت إيران في اختراق الكثير من الدول العربية، وأدت إجراءاتها إلى تكبيل العراق وشل حركته الاستراتيجية، وإخراجه تقريبا من المنظومة العربية التي خسرت واحدة من الجبهات المهمة في مجال الصراع العربي مع إسرائيل.

تجاوزت طهران كل المعايير مع سوريا، وحاولت فرض قبضتها على مفاتيح الحل والعقد في عدد كبير من الملفات، وأسهمت في تكالب قوى أخرى على الدولة لتنهش وحدتها الإقليمية.

خرجت سوريا من حلبة الحرب والسلام مع إسرائيل، مع أنها واحدة من دول المواجهة المركزية معها، وفقدت قدرتها على المطالبة باستعادة هضبة الجولان السورية، فما بالك بدورها كواجهة رئيسية في محور المقاومة؟

فعلت إيران الأمر نفسه مع لبنان، إلى الدرجة التي أصبح فيها سلاح حزب الله يوجه إلى صدور اللبنانيين قبل الإسرائيليين، ويولي اهتماما بالدفاع عن مصالح طهران قبل مصالح بيروت. هكذا خرب الملالي دولة أخرى من الدول الواقعة في المواجهة القريبة من إسرائيل.

ناهيك عما فعله المال الإيراني بالشعب الفلسطيني، من استقطاب لفصائل على حساب أخرى، وتسخير لسلاح المقاومة حسب المتطلبات الإيرانية وليس الفلسطينية.

يمكن أن تكر المسبحة حباتها لتصل إلى تدخلات إيران في اليمن والسودان وليبيا وغيرها. وكلها حلقات في سلسلة شتت الانتباه بعيدا عن جوهر الصراع مع إسرائيل، وجعلته هامشيا.

منحت التدخلات في شؤون كثير من الدول العربية، إسرائيل فرصة للمزيد من التمدد، وانعكست سلبا على درجة التلاحم، وأفضت إلى التخلي عن الحد المقبول لجملة الثوابت العربية، ولم تطلق إيران رصاصة واحدة نحو جبهة إسرائيل، أو تقدم الدعم اللازم لكل القوى الوطنية بالتساوي للحفاظ على مركزية القضية الفلسطينية.

قاد الدعم العقائدي إلى انحراف كبير عن المسار الوطني، وحصر فكرة الصراع على المستوى النظري في طيف معين من الفصائل وتجاهل الأطياف والألوان الأخرى بصورة ساعدت إسرائيل على المزيد من تصفية القضية الأم، لأن الخطوات التي قامت بها طهران جنت من ورائها تل أبيب فقط مكاسب كبيرة تفوق في محصلتها المكاسب التي ستجنيها من التطبيع، فمن إذا يتحمل الوزر الأكبر، السبب أم النتيجة؟

مضت تركيا على المنوال نفسه، مع فارق جوهري، أنها تحتفظ بعلاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، وتعقد صفقات واتفاقيات متنوعة، وتقوم بتوزيع أدوار معها.

وأدت تدخلات أنقرة في كل من سوريا والعراق وفلسطين وليبيا والسودان والصومال، ومناوشاتها المستمرة مع مصر وفي شرق البحر المتوسط، إلى تسليط الأضواء على مغامراتها وألاعيبها، وحرفها بعيدا عن إسرائيل وما تقوم به بحق الشعب الفلسطيني.

قادت طموحات إيران وتركيا في المنطقة العربية إلى تحول كلاهما من خصمين محتملين إلى حقيقيين، وتفرعت عن التحركات السلبية التي قامتا بها انقسامات وتحرشات وتجاذبات، استفادت منها إسرائيل في شغل عدد كبير من الدول العربية بهمومها الداخلية بعيدا عنها، واستقطاع جزء من الوقت والجهد والتفكير والنفقات لمطاردة كل من طهران وأنقرة بدلا منها.

سلكت كل دولة منها مسالك مظلمة في دول عربية عديدة، ومنحت إسرائيل الفرصة بعد الأخرى لتصعيد أطماعها في الأراضي الفلسطينية، وقد شهدت السنوات الماضية تغيرا في الأولويات، وباتت غالبية الدول العربية تلتف حول المواجهة السياسية، أو التهديد بالعسكرية، مع كل من إيران وتركيا أكثر من إسرائيل.

تضاف حصيلة الخطوات التي اتبعتها قطر من دعم واحتضان الجماعات المتطرفة وتمويل التنظيمات الإرهابية في المنطقة، إلى الحصيلة القاتمة التي أثمرتها تدخلات إيران وتركيا، لذلك تجد الدول الثلاث تتقاطع في الكثير من الإجراءات، ما حرف الصراع مع إسرائيل عن مساره وأوجد سياقات فرعية قطمت جزءا من الصراع المركزي.

حاول من توقفوا عند قطار التطبيع وعددوا محطاته وفرقوا بين دول مواجهة وأخرى على الهامش، ودول وقعّت اتفاقيات مع إسرائيل لاسترداد أراضيها وأخرى تتعامل لجني أرباح اقتصادية، القفز على الواقع المر، بغرض إبعاد الشبهات التي أحاطت بكل من إيران وتركيا وقطر وعدم تحميلها جانبا معتبرا من المسؤولية التي جعلت حديث التطبيع مسألة عادية، لا يثير المخاوف السابقة، فالحالة العربية العامة المتردية لعبت دورا مهما في تغير النظرة من إسرائيل.

 يجب أن توجه الأسئلة الصعبة إلى الدول الثلاث التي قادت المعارك الجانبية وأغرقتنا في تفاصيلها، ومن لف لفها من دول ومنظمات متباينة، فالصورة تقتضي رؤيتها من زوايا مختلفة كي تكتمل ويمكن تحديد حجم المسؤولية على الأطراف التي شاركت بشكل مباشر أو غير مباشر في النتيجة التي وصلنا إليها، وما أفضت إليه من تبديل في القضايا والملفات، وتعديل في خرائط الحلفاء والخصوم والأعداء.

 

Exit mobile version