أطول حرب أمريكية: 20 عاما من العثرات في أفغانستان

واشنطن: المحادثات مع طالبان في الدوحة كانت "صريحة واحترافية"

عناصر من قوات طالبان يجلسون عند نقطة تفتيش في كابول ، أفغانستان. 17 أغسطس 2021. (الصورة: رويترز)

أفغانستان بدون رقابة

تقترب أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة من نهايتها مع خسارة أمام العدو الذي هزمته في أفغانستان منذ ما يقرب من 20 عاما وصدمة من الانهيار السريع للحكومة والجيش اللذين دعمتهما وعمليات إجلاء فوضوية في اللحظة الأخيرة.

هجمات 11 سبتمبر

ويحل هذا العام موعد إحياء ذكرى مرور عشرين عاما على هجمات 11 سبتمبر أيلول في نيويورك وواشنطن مع عودة طالبان إلى السلطة.

وقال مسؤول عسكري أمريكي “هذه لم تكن حربا استمرت 20 عاما. “لقد كانت حروبا تستمر عاما وتم خوضها عشرين مرة” وذلك للتعبير عن الإحباط من التفكير القصير المدى والعثرات المتعددة وعدم الاتساق في عهد أربع إدارات.

وسلطت المقابلات التي أجرتها رويترز مع ما يقرب من عشرة من المسؤولين والخبراء الأمريكيين الحاليين والسابقين الضوء على الإخفاقات التي أعاقت جهود الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار في أفغانستان والتي شهدت إنفاق واشنطن أكثر من تريليون دولار ومقتل أكثر من 2400 من العسكريين الأمريكيين وعشرات الآلاف من الأفغان من بينهم مدنيون كثيرون.

إقرأ أيضاً: مدير المخابرات الأمريكية يحذر من “خطر كبير” فور الانسحاب من أفغانستان

وواجهت إدارتان جمهوريتان وأخريان ديمقراطيتان صعوبة في محاربة الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان حتى مع غض الطرف عن كثير منها مع سعيها لتعزيز الديمقراطية وسيادة القانون وبناء جيش أفغاني قوي والحفاظ على استمرار مشاركة الأمريكيين الذين ضجروا من الحرب.

وشجعت الإدارات الأمريكية وجود حكومة مركزية قوية في بلد تحظى فيه القبائل منذ قرون بحكم ذاتي محلي. وأدت برامجها للقضاء على المخدرات إلى زيادة عداوة الناس في معاقل طالبان الريفية والذين يعتمدون في العيش على زراعة الخشخاش الذي يُصنع منه الأفيون.

وكان لأوجه قصور معلومات المخابرات تأثير أيضا، ومنها ما حدث الأسبوع الماضي عندما توقعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ألا تدخل طالبان كابول قبل بضعة أشهر لتدخلها طالبان في بضعة أيام.

الفقر في أفغانستان

فقد ساعدت الولايات المتحدة وشركاؤها في تحسين الحياة في واحدة من أفقر دول العالم وتعزيز حقوق النساء والفتيات ودعم وسائل الإعلام المستقلة وبناء المدارس والمستشفيات والطرق. وكل ذلك الآن معرض للخطر.

جورج بوش

أعلن الرئيس جورج دبليو بوش “الحرب على الإرهاب” وأطاح بحكومة طالبان في كابول التي استضافت مقاتلي القاعدة المسؤولين عن شن هجمات بطائرات مخطوفة عام 2001. ونجحت الاستراتيجية لبعض الوقت. وتعرضت طالبان لهزيمة قاسية واضطُرت القاعدة للفرار.

لكن مسؤولين وخبراء سابقين قالوا إنه بدلا من العمل على تأمين أفغانستان من عودة طالبان، قامت إدارة بوش بتحويل الموارد والأفراد والوقت لغزو العراق بادعاء خاطئ بأن حكومة صدام حسين تملك برامج أسلحة دمار شامل غير مشروعة.

وقالت ليزا كورتيس المحللة السابقة في وكالة المخابرات المركزية والخبيرة الإقليمية التي عملت خلال رئاسة كل من بوش ودونالد ترامب وهي الآن زميلة بارزة في مركز الأمن الأمريكي الجديد “الحرب في العراق شتت الولايات المتحدة لسنوات”.

وأضافت “كانت الإطاحة بطالبان الشيء الصحيح الذي يجب القيام به… للأسف، بعد وقت قصير من هزيمتنا طالبان، بدأ توجيه قدر أكبر من الاهتمام للحرب في العراق”.

أفغانستان

ويقول المسؤولون الحاليون والسابقون إن تركيز إدارة بوش الشديد على العراق ترك استراتيجيتها في أفغانستان تسير دون هدى.

وقال جوناثان شرودن، الخبير في معهد (سي.إن.إيه) للسياسة والذي عمل مستشارا للقيادة المركزية الأمريكية “هل كنا نحاول بالفعل المساعدة في بناء هذه الأمة (أفغانستان) وإصلاحها أم أننا نحاول الخروج فقط؟”.

وعندما تولى الرئيس باراك أوباما منصبه في 2009 استمرت الرسائل المتضاربة.

وتطلع أوباما إلى خفض القوات الأمريكية في أفغانستان لكنه وافق على زيادتها في محاولة للضغط على طالبان لإجراء محادثات سلام.

وأعلن في كلمة ألقاها في وست بوينت في نوفمبر تشرين الثاني 2009 أنه سيرسل 30 ألف جندي إضافيين لكنه أضاف أنه “بعد 18 شهرا، ستبدأ قواتنا في العودة إلى الوطن”. وفي سعيه لتهدئة جمهوره المحلي، أبلغ أوباما طالبان بشكل فعلي إن بإمكانها انتظار خروج الولايات المتحدة.

*استشراء الفساد

وأطلق أوباما كمرشح رئاسي على أفغانستان اسم “الحرب الجيدة” مقارنا إياها بالكارثة العسكرية في العراق.

وارتفع عدد القوات الأمريكية إلى أكثر من 90 ألفا بحلول 2010 كما ارتفع أيضا حجم التمويل.

وفي ظل الحاجة الماسة والمستمرة لحكومة مستقرة، تعاونت الولايات المتحدة مع أفغان ذوي نفوذ لكنهم كانوا متورطين في الفساد
وانتهاكات حقوق الإنسان. وقال بيتر جالبريث، السفير الأمريكي السابق الذي شغل منصب نائب ممثل الأمم المتحدة في أفغانستان، إن مبدأ الولايات المتحدة لمكافحة التمرد يشدد على ضرورة وجود “شريك محلي”.

وأدى ذلك إلى إضفاء الولايات المتحدة والأمم المتحدة ودول أخرى الشرعية على الحكومات الأفغانية المتعاقبة والقبول الفعلي بالفساد المستشري حتى أثناء تعزيزها لجهود مكافحته.

واشنطن في افغانستان


السياسة تجسدت في موافقة واشنطن ودول أخرى والأمم المتحدة على الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2009 و2014 و2019 على الرغم من علمها بوجود عمليات تزوير واسعة النطاق ومخالفات أخرى.

قال مسؤول حكومي كبير سابق لرويترز، شريطة عدم الكشف عن هويته، “ليس لدينا أدوات للقضاء على الفساد المستشري في المجتمعات”. وأصاب أيضا الفساد الجيش الأفغاني الذي خصصت له الولايات المتحدة 88 مليار دولار على مدى عشرين عاما.

وعلى سبيل المثال لم تتغلب الولايات المتحدة بشكل كامل مطلقا على مشكلة “الجنود الأشباح”، وهم جنود غير موجودين يدرج قادة فاسدون أسماءهم في القوائم لأخذ رواتبهم.

ولذلك فعلى الرغم من أن عدد قوات الأمن الأفغانية يبلغ 300 ألف جندي على الورق فإن العدد الفعلي أقل من ذلك بكثير.

ووجد تقرير صدر عام 2016 عن هيئة رقابية تابعة للحكومة الأمريكية أنه في إقليم هلمند وحده لا وجود لما يتراوح بين 40 و50
في المئة تقريبا من قوات الأمن.

كيف انتصرت طالبان

يقول مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إن طالبان لم تكن لتنتصر لو كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة اتخذت إجراءات لإنهاء الملاذ الآمن وغيره من أشكال الدعم التي قدمتها باكستان ووكالة المخابرات الداخلية التابعة لها للمقاتلين.

وقالت كريستين فير، خبيرة شؤون الجيش الباكستاني بجامعة جورجتاون “بدون باكستان، ستكون طالبان مجرد مصدر إزعاج… لن تكون قوة قتالية ذات كفاءة”.

ونفت إسلام أباد مرارا دعمها لطالبان في إطار ما يصفه خبراء بأنها استراتيجية لتأمين حكومة حليفة في أفغانستان للحد من نفوذ الهند.

تولى الرئيس دونالد ترامب منصبه عام 2017 متعهدا بإنهاء ما وصفها “بحروب سخيفة لا نهاية لها”.

واعتمدت حسابات ترامب في جانب منها على أن الأمريكيين ببساطة ليسوا مهتمين بأفغانستان بدرجة تسوغ إنفاق مليارات الدولارات سنويا ومقتل جنود أمريكيين.

وأدى ذلك إلى اتفاق مع طالبان في فبراير شباط 2020 لانسحاب كامل للقوات الأمريكية إذا استوفت الحركة شروطا معينة. واستُبعدت الحكومة الأفغانية من المحادثات.
وقال جون بولتون، الذي عمل خلال رئاستي بوش وترامب، لرويترز إن هذا الاتفاق كان خطأ ترامب الفادح وكان على بايدن إعادة تقييمه.

لكن بايدن شرع في الانسحاب الكامل على عكس مشورة القادة العسكريين الأمريكيين ودون البت في أعداد كبيرة من طلبات التأشيرات الخاصة من الأفغان المعرضين للخطر لعملهم لصالح الحكومة الأمريكية، مما أدى إلى عملية إجلاء سادتها الفوضى.

وتزايد تشكك بايدن في الجهود العسكرية في أفغانستان بعد رحلة قام بها عام 2009 إلى كابول أكسبته قناعة بأن الولايات المتحدة محاصرة في حرب لا يمكن الفوز بها.

الانسحاب من كابول

وقال مسؤول أمريكي لرويترز، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن استطلاعات الرأي الداخلية أظهرت أن معظم الأمريكيين يؤيدون الانسحاب مما يجعل بايدن مرتاحا لقراره.

وأكد استطلاع أجرته مؤسسة إبسوس في أبريل نيسان أن غالبية الأمريكيين يؤيدون بايدن.

ولم يتضح بعد كيف سينظر الأمريكيون إلى قرار بايدن بعد عرض مشاهد تلفزيونية لطائرات هليكوبتر عسكرية أمريكية وهي تخلي السفارة الأمريكية والأفغان يحتشدون في المطار أملا في المغادرة.

وأصر بايدن على أن الانسحاب من كابول لن يكون تكرارا لعملية الإجلاء الأمريكية السيئة السمعة من سايجون عام 1975.

وقال في يوليو تموز “لن تكون هناك ظروف نرى فيها أشخاصا يُلتقطون مع على سطح سفارة الولايات المتحدة في أفغانستان”.

بدون رقابة / رويترز
Exit mobile version